قنابلٌ من نوع آخر ..... أجيالٌ في مهبِّ الريح






وكالة سام الإخبارية _ لميس مراد العريقي /  شيماء علي اليامي
تصاعدت وتيرة العنف خلال الأربع السنوات الماضية لتعم أغلب مناطق البلاد، فأحدثت في طريقها شروخاً إجتماعية وإقتصادية وسياسية، طالت الكثير من الأسر اليمنية  لتصنع معاناتهم  قصصاً أخرى.
 ترافقت أحداث العنف على الأرض بمشاكلٍ أخرى - وإن كانت بشكلٍ مصغر- داخل البيوت تكون فيه المرأة الطرف الأضعف غالباً، وبنفس وتيرتها على وضع البلاد، لتترك بيوتاً محطمة بأحجارها أو أسراً مفككة بقلوب أفرادها، فالقنابل وإن كانت تهدم الحجر، فالأزمات الاقتصادية والاجتماعية المدمرة تهدم وتعصف بتلك الكيانات الأسرية لتصبح لبنة بناء المجتمع مدمرة أيضاً.
 هذا حال أغلب الأسر في اليمن تحيط بهم عوامل التفرقة والشتات من كل صوب لتصنع في النهاية أجيالاً يعانون هم أيضاً من تلك التراكمات، فكلامنا هنا- إذاً-عن جملة عريضة وطويلة من الآثار التي تمتد لسنوات أو عقود، تهدد مخلفاتها استقرار البيت اليمني وتشكِّل عائقاً أمام التطور والتنمية .

واجهتُ العاصفة وعدتُ وكلي أمل بحياة مستقرة وإصرار لتحقيق حلمي
لم تكن تعلم (س.م) أن إنطلاق شرارة الحرب في اليمن ستغير حياتها المستقرة إلى حياة مليئة بالقلق والخوف والشقاء .
بدأت قصة معاناة (س.م) التي تبلغ من العمر 33 عاماً ولديها 4 أطفال منذ أن تركت دراستها في العاشرة من عمرها بحكم عادات وتقاليد الأسرة التي تفرض على الفتاة ترك الدراسة في هذا السن، مرت الأيام الى أن قُتلت طفولتها بزواجها في سن 12 ربيعاً حينها لم تكن تدرك شيئاً سوى فرحتها بارتداء الفستان الأبيض ولكنها ما لبثت أن انصدمت بواقع صادم وحياة زوجية لم تستطع تقبلها لصغر سنها وقلة إدراكها فانصدمت مع زوجها وبعدها قررت أن تُنهي معاناتها بالطلاق، وبعدها بثلاثة أعوام تزوجت مرة أخرى وعاشت مع زوجها حياة مستقرة هادئة يسودها التفاهم والحب وفي وضع مادي متوسط حيث كان يعمل الزوج موظفاً ويستلم راتباً محدوداً ولكنه كان بمثابة عكاز يعينه على سد احتياجات أسرته الأساسية. وظلت الحياة كما هي إلى أن بدأ فتيل الحرب في اليمن بالاشتعال عام 2015م فبدأ الوضع الاقتصادي للبلاد بالتدهور وانقطعت الرواتب وهي مصدر الدخل الوحيد للزوج فبدأت الحياة تضيق بهم بدأت (س.م) بالتدريب وتعلم العديد من الحرف منها الخياطة والتطريز والكوافير والنقش وأرادت أن تعمل في محل تجميل وكوافير ونقش ولكن رفض الأهل والزوج بسبب رفض العادات والتقاليد لهذه المهن والانتقاص من العاملين بها حال بينها وبين تحقيق حلمها للعمل في شيء تحبه ويكون مصدر دخل للأسرة. مرت الأيام وهي مثقلة بالهموم والأعباء فشعورهم بالعجز عن تغيير الوضع جعل الحياة أشبه بالجحيم في منزل هذه الأسرة، أصبح الزوج يثورلأتفه الأسباب ويختلق المشاكل مع زوجته وأبنائه فقسى عليهم لدرجة تفريغ الغضب عليهم بضربهم وكأنه ينتقم منهم بما اقترفته الحرب والأوضاع به، تقول (س.م) (كان زوجي دائماً يحطمني ويحاول إحباطي بكلماته الجارحة كقوله: ماذا تظني نفسكِ تقدمي لنا ؟؟) فتتوجع من كلماته الجارحة التي تنكر وتجحد كل صبرها وتحملها للفقروالعمل والعطاء، اشتدت عاصفة المعاناة والمشاكل بين الزوجين إلى أن كادت أن تقتلع استقرار حياتهم الزوجية في تلك اللحظة التي فقد فيها الزوج أعصابه فقام بضرب زوجته (س.م) وبدون وعي أمام أطفالهم فكانت صدمة عنيفة لها حيث لم تتخيل يوماً أن يقوم زوجها بضربها تقول (س.م): "الحرب والوضع غيرت وكشفت الأشخاص من حولنا فأصبحوا كأنهم وحوش فزوجي تغير كثيراً لدرجة لم أعرفه أبداً" بعد الحادثة ذهبت (س.م) إلى منزل أهلها ومكثت فترة من الزمن وخلالها دلتها صديقتها وجارتها على المساحة الآمنة للنساء فذهبت وهناك تعرفت على الأخصائية النفسية وسردت لها قصتها فقدمت لها الدعم النفسي بعد أن كانت منهارة تماماً واكتشفت الأخصائية مواهبها في العديد من الحرف وشجعتها وأعادت ثقتها بنفسها لتقوم بتدريب 25 مستفيدة  في دورة إعادة التدوير فتعززت ثقتها بنفسها وقدراتها بأنها قادرة أن تدرب وتعطي وهي في قمة إنهيارها ورغم تحطيم من حولها لكل إبداع داخلها ,فنهضت وهي أقوى ومدت يد العون فبادرت بجمع تبرعات لإحدى المستفيدات خلال فترة تواجدها بالمساحة وتلقت جلسات توعية عن الحقوق وتقدير الذات وتربية الأبناء وتلقت إرشادات من الأخصائية عن كيفية التعامل مع زوجها وأطفالها خلال الوضع الحالي .


مرت الأيام وأدرك الزوج بخطئه واعتذر منها ووعدها بعدم تكرار ما حدث فعادت إليه ولأطفالها ولكنها عادت وهي أكثر قوة وثقة بنفسها وبقدراتها .
فعاد الهدوء والاستقرار للحياة (س.م) بعد العاصفة التي كادت أن تقتلع حياتها الزوجية بعد أن استعادت ثقتها بنفسها وأزدادت وعياً فأصبح زوجها يراها أقوى وأكثر ثقة بنفسها فزاد احترامه لها وتقديره لما تقوم به. تقول (س.م ): "الآن أقوم بخياطة بعض الملابس وأصنع الاكسسوارات ولكن لا يوجد ربح مالي كبير بسبب عدم توفر المال لشراء كل الاحتياجات والتسويق لبيع المنتجات بعيد عن المنطقة المجاورة ". ومازالت (س.م) تعمل وتكافح وتمضي في طريق تحقيق حلمها بعمل مشروع يضمن استمرارية الدخل لها ولأسرتها.


المشاكل الأسرية التي أنتجتها الحرب
يطالعنا المحامي أ/ أحمد الدبعي عن ارتفاع حالات الطلاق والفسخ والخلع في اليمن لعام 2018م  وتتنوع أسباب حالات الطلاق ولكن أهمها والذي خلَّفته الحرب هي الأسباب الاقتصادية بدرجةٍ أولى ثم الأسباب الأخلاقية، فنتيجة لقلة الموارد أو انعدامها يتولد عن هذا هروب كثير من الأزواج من مسؤولياتهم أو تدهور حالاتهم النفسية لتتراكم الخلافات وينتج عنها مشاكل نتيجة الحقد والكراهية، فيستخدم الطرف الأقوى العنف لتقوية موقفه.
 إضافة إلى ذلك لا نغفل الجوانب الأخلاقية وتدنيها عند التعامل مع الآخر وقد تكون هذه نتيجة مباشرة لإفرازات الحالة الاقتصادية المتدهورة، والتي تُعكس نتائجها في التفكك الحاصل في بعض الأسر وارتفاع نسب الطلاق والفسخ، لتنشأ أجيال في مهب الريح.
التدريب والتأهيل
تطالعنا الدكتورة بلقيس السياغي عن الحلول التي تستخدمها مع الحالات من النساء المعنفات التي تقدم لهن دعم نفسي الحل هو محاولة جعلهم يتكيفوا مع الوضع الحالي تكيف إيجابي وإرشادهم بكيفية التعامل معه، وهذا يأتي بإشراك المرأة وذلك عن طرق تدريبات سُبل العيش، والدورات التدريبية الأساسية أو الحرفية، وتقديم الدعم النفسي للمُعنّفات دعم فردي وجماعي  من أجل ضمان عدم استسلام هذه الفتيات، وعمل جلسات توعية لهن وتشجيعهن على الاستجابة لطموحاتهن كما حدث مع (س.م) .
تقوية الكيان النسائي
وفي ذات الصدد يقول الدكتور قحطان الربيعي - أخصائي الدعم النفسي والاجتماعي بأن الاهتمام بالمرأة وتقوية كيانها في الأسرة عامل حاسم في استقرارها وضمان عدم ضياع أطفالها، ومؤشر واضح على مدى تماسكها. فإن أغلب الأسر المستقرة هي تلك التي تنبت مبدأ الشراكة بين أفرادها ولذلك لابد أن تُعزز هذه الثقافة على كافة المستويات من أجل ذلك، لتكون أجيالنا منتجة ومعطاءة.
التوعية خير سبيل
كما أضاف المحامي أحمد الدبعي أن الحرب سببت التعامل اللاأخلاقي بين أفراد الأسرة وعدم وجود التوجيهات الصحيحة بكيفية التعامل مع الزوج. فمثلاً الشاب يتزوج وهوغيرمؤهل للزواج والبنت تتزوج وهي لا تستطيع التعامل مع زوجها، أيضاً الأب يقوم بتزويج أبنه ويلقي على عاتقه مسؤولية إعالة أسرة بينما هو عاطل عن العمل ولا يملك أي مصدر للدخل! فتبدأ مشاكل الأسرة من أول يوم لتنتهي أغلبها بالطلاق.
 فنجد انه للخروج من الوضع الحالي نحن بحاجة لقنوات توجيهية  وجلسات توعية للأسر بشكلٍ أكبر لمساعدتها على التكيف الإيجابي مع الوضع الراهن وبالتالي نحافظ على تماسكها .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جناح شركة " رفا فارما " للصناعات الدوائية يحظى بإهتمام رسمي كبير وإقبالاً جماهيري غير مسبوق من قبل زوار المعرض الدوائي بجامعة صنعاء “تفاصيل”.

شركة "جلب إخوان" للتجارة والإستثمار تشارك في مهرجان الإقتصادية ماركت التسويقي الرمضاني الأول .

مؤسسة " إخوان بعوم "للأدوية والمستلزمات الطبية تشارك في رعاية المؤتمر العلمي الأول لصحة المرأة وجناح المؤسسة يحظى بإهتمام كبير وإقبال جماهيري غير مسبوق .